طاقة الارتباطواستقرار النوى
يتجلىتماسك النواة لنا بفارق دقيق هو أن النواةأقلوزنا من مركباتها. يتضح من قياسات كتل البروتونات والنترونات المكونة للنواة أنها أكبر منمجموعها دوما من كتلة نواة الذرة التي تشكلها، مهما كانت هذه الذرة وهذا الفارق هو مايسمى عادة نقص الكتلة.
وتقول النظرية النسبية إن هذا النقص في الكتلة يتحول إلىطاقة وفقا للعلاقة الشهيرة الطاقة = الكتلة * مربع سرعة الضوء، وهذا النقص يقابلما يدعي طاقة ارتباط النواة، أي طاقة ارتباط مكونات النواة، وهي أيضاً الطاقةاللازم بذلها لتفكئك هذه النواة إلى مكوناتها
تنتجالطاقة النووية إذن منانشطار النوى الثقيلة أو من اندماج النوى الخفيفة، فهاتان عمليتان تؤديان إلى نقصالكتلة، ومن ثم إلى إنتاج الطاقة الحركية (لحرارية(
طاقة الاندماج
ويتركزحديثنا عن الاندماج المنتج للطاقة، إلا أن الحصول على طاقهالاندماجيتطلب منا إسهاما أوليا يستثمر في التغلب على قوى التدافع الكهربائي بين البروتونات، وهي القوىالتي تمانع حد، وث الاندماج بمعاكستها الشديدة لفعل تقاربالنوىكي تتفاعل. إن وأس المال اللازم لهذا الاستثمار في مجال إنتاج الطاقة يختلف باختلاف تفاعلالانلاماج المعتمد، وعلى وجه الدقة إنه يتناسب حسب قانون كولون مع جداء (حاصل ضرب)شحنتي النواتين المندمجتين.
ويمكنالقول عموما إن مقدارالاستثماركبير جدا (مليارات الدولارات)، رلكن نسبة الربح وسطيا أكبر بأربعة آلاف مرة، وهي تستحقالبذل حقا، ولكنه بذل لم تقدم عليه ألا الدول المتطورة القوية الغنيه الواعية،ويمكن أن تقدم عليه الدول النامية المتضافرة لتوفير أسباب النجاح.
فمنوجهة نظر البذل اللازم تقديمه يعد اندماج نراتي الهيدروجين الثقيل للحصول علىالهيليوم، الاندماج الأكثر أهمية للبحث المختبرى، لأنه يقدم أكبر كسب في الطاقة في مقابلأقل بذل (أو كما يقال أقل رأس مال للاستثمار). وهذه الطاقة تمتص رويدا رويدا في أوساطمناسبة متوزعة بين ذرات الوسط مولدة ما سميناه الحرارة التيكمانعلم يمكن أن تولد البخار والبخار بدوره يمكن أن يدير العنفات مولدا الطاقة الكهربائية.
والسؤال الآن كيف يمكن استدار هذا المورد الثري؟
هياج حراريللتصادم
وقبلاستغلال النواتج لتفريغ طاقتها والحصول على الحرارة أوالكهرباءيلزم تحريض تفاعل الاندماج بحد ذاته، والتغلب على عوق قوي التجاذب الكهربي له، وذلك كما قلنابتقدي الاستثمار الأولى الذي لابد منه والذي يكفي لتحقيق هذاالتفاعلفي مزيج نظيري الهيدروجين: الدوتيريوم والنريتيوم. من الواضح أنه ربما يتم لنا ذلك ببساطة عندتقديم الاستثمار المطلوب على شكل حرارة، إذ أن الحرارة تولد في المزيج حركةعشوائية (هياجا حراريا) وقد يصادف عندئذ تتصادم نواتان جبهيا فتبلغ إحداهما الأخرىبطريق مباشر مخترقة الفراغ الكبير في الذرة ومتهحدية التدافعالكهربائيبين النواتين، وتتلخص المسألة في مجملها بمجرد التسخين إلى الدرجة الكافية لتحقيقتلامس (أو تصادم) النوى. ويتطلب تحقيق ذلك كثيرا من الطاقة الحرارية التي تتوزع عشوائيابين مزيج الذرات أو الجزيئات؟ أما الحصول على الطاقة الحركيه(الاندفاعية)اللازمة لبدء تحقيق اندماج الدوتيريوم والتريتيوم، فتقتضي رفع درجة الحرارة إلى 40مليون درجة. وهنا قد يتاح لبعض الذرات اقتراب بضعها من بعض حتى يضعه فرميات، وهذاالاقتراب إن حدث يجعل القوى النووية تفعل فعلها محدثة الاندماج المطلوب. ويرىالمختصون أن زيادة مردود الاندماج ترفع درجة الحرارة إلى مائه مليون درجة.
الذرات تتحول إلى بلازما
والسؤالهنا كيف يمكن بلوغ هذهالدرجةمن الحرارة وكيف يكون حال المادة في مثل هذه الدرجات العالية؟ طبعا لن تكون صلبة ولا سائلة ولاغازا عاديا، بل ستكون بالحالة التي تسمى بلازما، والبلازما حالة تكون فيها نوىالذرات في أعلى درجات التأين اي عارية من إلكتروناتها. وهذه في الواقع هي الحالةالعادية للمادة في درجات الحرارة التي تفوق عشرة آلاف درجة، وهذه درجة لا نراها علىالأرض إلا في الصاعقة أو القوس الكهربائية أو في الانفراغالكهربائي؟وإن كانت هي. اكثر الحالات أنتشارا في الكون من حولنا، إذ ليست الشمس والنجوم إلا كراتهائلة من البلازما الساخنة.
تبقىالبلازما في النجوممتماسكةرغم قوى التنافر بين مركباتها بفعل القوى التناقلية الكبيرة التي تحصرها وتشدها اليها مثلماتمسك الأرض بالغلاف الجوي حولها، ولكن أنى لنا هذا على سطحالأرض؟وكيف وأين وفي أي وعاء يمكن احتواء هذه البلازما وجعلها ملتمة بعضها إلى بعض؟. فكل قدرأووعاء نضعها فيه في درجة الحرارة اللازمة للاندماج (أكثر من 40- 100 مليون درجة) لكلمادة أو آنية نعرفها تنصهر بل وتتبخر متحولة إلى غازبل إلى بلازما، هنا بيت القصيد أوهذا هو جوهر معضلة الاندماج المطروحة حاليا على العلموالتكنولوجيا.وفي الحقيقة لا يكفي أن نولد البلازما المحصورة فقط، وهذا بحد ذاته ليس أمرا يسيرا، بليجب إتاحة الوقت الكافي للتفاعل كي يحدث ومن ثم للطاقة كي تنتج. فالوصفة الكاملةللاندماج المسيطر عليه تتلخص في تسخين البلازما إلى درجة عالية وتركها ومنا كافيا(بضع ثوان) كي تنضج، إذ لو كان عدد التفاعلات التي تجري فيالبلازماقليلا جدا تكون الطاقة المستردة غير كافية لبلوغ ما يسمى "الحصيلة المعدومة" أيلبلوغ التوازن الشامل ما بين الطاقة المصروفة لتحريك التفاعل (رأس مال الأستثمار) وبينالطاقة الناتجة عن تفاعلات الاندماج.
حصر البلازما
والخلاصةأنه يلزم عزل البلازما حراريا وعدم السماح لها بأن تبرد بتماسها مع جدران حاويتهالمناسبة إن وجدت. ولكن السؤال مرة أخرى ما هي مدة العزل اللازمة؟ تتدخل في الإجابةعن هذا السؤال عوامل رئيسية ثلاثة، والشيء المقبول الذي يمكنالأخذبه هو حاصل ضرب هذه العوامل فيما بينها، العامل الأول كما أوضحنا هو درجة حرارة البلازما T ،والثاني هو كثافة البلازماN أيعدد نوى الدوتوريوم والتريتيومفيوحدة الحجم. وأخيرا زمن احتباس البلازما، أي الزمن الذي يبقى قلب البلازما خلاله بتماس مع نفسه.فهذه أمور تتدخل بدهيا بالشيء المطلوب، فالأول يكسب النوى السرعة اللازمة للتصادموالثاني يزيد عدد النوى في طريقها، ويزيد من ثم احتمال التصادم مع النوى المجاورة،والأخير يتيح الزمناللازم، للتفاعل، فلكل هذه العوامل أهميتهاالأساسيةولابد أن يكون متأثرا بها جميعا، أي متأثرا بحاصل ضربها فيما بينها أي بالجداء T.n.z المسمى جداءالأندماج. ويدل الحساب أنه يكفى بلوغ القيمة: واحد (ضغطجوي X ثانية) كي يتحقق ماأسميناه "الحصيلة المعدومة" أي بلوغ نقطة التعامل في موازنة الطاقة، إلاأن بلوغ هذا الهدف يعد مرحلة أولى لأن الهدف الذي نسعى إليه هو بلوغ الإنتاجالمجدي للطاقة، أي الاستمرار حتى بلوغ ما يسمى مرحلة الاحتراق أي المرحلة التي تصبحمعها تفاعلات الاندماج مستديمة ذاتيا (مستمرة من تلقاء نفسها)ويتوقععند استتباب هذا النظام أن تعود نوى الهيليوم (ناتج الاندماج) بما تحمله من طاقة إلى داخلالبلازما كي توفر استمرار حرارتها وتضمن بقاءها في درجة الحرارة اللازمة للتفاعل.
وعندتحقق هذا يكون لدينا ببساطة قطعة من نجم ملتهبتغذينابأفضل أنواع الطاقة النظيفة نسبيا، والتي لا ينضب معينها ما دمنا قادرين على استخلاص الدوتيريوممن هيدروجين الأرض (صناعة الماء الثقيل مثلا) لأن الهيدروجينالعادييصلح للاندماج أيضا، ولكنه أضعف عطاء للطاقة بأربع مرات تقويبا.
قدور الاندماج
منكل ما تقدم يتضح سبب السعي الدءوب اللاهث الذيتقومبه الدول المتطورة الغنية راصدة ملايين الدولارات لتحقيق هذا الهدف العظيم بالتغلب على صعوبة.تحقيق الاحتراق والسيطرة على تماسك البلازما وعلى الحرارةالهائلةالناتجة.
أماأين يقف العالم المتطور الآن بأبحاثه هذه؟ وما هيالنجاحاتالتقنية التي حققها في هذا المضمار؟، فيتضح من البحث في السبل الأساسية المتبعة لتحقيق هذهالغاية وتحديدا في "قدور" الاندماج التي تحققت لإنسان عصرنا، عصر الذرة أنه يمكنفي الحقيقة الوقوف عند خمسة أنواع أساسية منها وهى:
1- التوكوماكات:منها التوكوماك (jet) الذى نجح نجاحاجيدا على طريق الحصيلة المعدومة.والتوكوماك (net) ،المشروع الأوربي الصرف، والمفاعل النووي الحراري الدوليالتجريبي (iter) ويقوم على أساس حصرالبلازما في أنبوب حلقي تحت تأثير مجالمغناطيسيقوي.
2- قدرالاندماج بأشعة ليزر: ومنها التوكوماك الليزري الليبيالصغيرفي تاجوراء قرب طرابلس (حيث يؤدي قذف الذرات بأشعة الليزر القوية إلى تحويلها إلى بلازما).
3- الاندماجبالحزم الأيونية: الآتية من عدة مسرعاتموجهةوتشبه في مبدأ عملها قدور الليزر وهي لا توجد إلا في سانديا بالولايات المتحدة والمعروفةباسم (p B F A Ii) .
4- الاندماجالبارد: فيه مسام معدنالبلاديومشره الامتصاص للهيدروجين الذي أثار اهتمام العالم أخيرا.
5- الاندماجبالكبس عن طريق تيارات شديدة جدا من رتبة المليون أمبير الذي بدأ العمل به عام 1993 فيالامبيريال كولدج في لندن.
بقلم : الدكتور مصطفى حموليلا والدكتور توفيققسام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق